سورة العنكبوت - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)}
قوله تعالى: {وَإِبْراهِيمَ} قال الكسائي: {وَإِبْراهِيمَ} منصوب ب {أنجينا} يعني أنه معطوف على الهاء. وأجاز الكسائي أن يكون معطوفا على نوح والمعنى وأرسلنا إبراهيم. وقول ثالث: أن يكون منصوبا بمعنى وأذكر إبراهيم. {إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي أفردوه بالعبادة. {وَاتَّقُوهُ} أي اتقوا عقابه وعذابه. {ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} أي من عبادة الأوثان {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. قوله تعالى: {إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً} أي أصناما. قال أبو عبيدة: الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس، والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة. الجوهري: الوثن الصنم والجمع وثن وأوثان مثل أسد وآساد. {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} قال الحسن: معنى {تَخْلُقُونَ} تنحتون، فالمعنى إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها.
وقال مجاهد: الافك الكذب، والمعنى تعبدون الأوثان وتخلقون الكذب. وقرأ أبو عبد الرحمن: {وتخلقون}. وقرئ: {تخلقون} بمعنى التكثير من خلق و{تخلقون} من تخلق بمعنى تكذب وتخرص. وقرئ: {إفكا} وفية وجهان: أن يكون مصدرا نحو كذب ولعب والافك مخففا منه كالكذب واللعب. وأن يكون صفة على فعل أي خلقا إفكا أي ذا إفك وباطل. و{أَوْثاناً} نصب ب {تَعْبُدُونَ} و{ما} كافة. ويجوز في غير القرآن رفع أوثان على أن تجعل {ما} اسما لآن {تَعْبُدُونَ} صلته، وحذفت الهاء لطول الاسم وجعل أوثان خبر إن. فأما {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} فهو منصوب بالفعل لا غير. وكذا {لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}
أي أصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فإياه فاسألوه وحده دون غيره. {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} فقيل: هو من قوله إبراهيم أي التكذيب عادة الكفار وليس على الرسل إلا التبليغ. قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} قراءة العامة بالياء على الخبر والتوبيخ لهم، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. قال ابو عبيد: لذكر الأمم كأنه قال أو لم ير الأمم كيف. وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي: {تروا} بالتاء خطابا، لقول: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا}. وقد قيل: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا} خطاب لقريش ليس من قول ابراهيم. {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يعني الخلق والبعث.
وقيل: المعنى أو لم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفني ثم بعيدها أبدا. وكذلك يبدأ خلق والإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا، وخلق من الولد ولدا. وكذلك سائر الحيوان. أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة {إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون.


{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25)}
قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض {فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وأنظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله. {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} وقرأ أبو عمرو وابن كثير {النشاءة} بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفة والرآفة وشبهه. الجوهري: أنشأه الله خلقه، والاسم النشأة والنشاءة بالمد عن أبى عمرو بن العلاء. {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} أي بعدله. {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ} أي بفضله. {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} ترجعون وتردون. {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} قال الفراء: معناه ولا من في السماء بمعجزين الله. وهو غامض في العربية، للضمير الذي لم يظهر في الثاني. وهو كقول حسان:
فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء
أراد ومن يمدحه وينصره سواء، فأضمر من، وقاله عبد الرحمن بن زيد. ونظيره قوله سبحانه: {وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} أي من له. والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه.
وقال قطرب: ولا في السماء لو كنتم فيها، كما تقول: لا يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا، بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار إليها.
وقيل: لا يستطيعون هربا في الأرض ولا في السماء.
وقال المبرد: والمعنى ولا من في السماء على أن من ليست موصولة ولكن تكون نكرة و{فِي السَّماءِ} صفة لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف. ورد ذلك على ابن سليمان. وقال: لا يجوز. وقال: إن من إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة، قال: والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون، والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله، كما قال: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}. {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} ويجوز {نصير} بالرفع على الموضع، وتكون {مِنْ} زائد. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ} أي بالقرآن أو بما نصب من الادلة والاعلام. {أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى أويسوا. وهذه الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيرا وتحذيرا لأهل مكة. ثم عاد الخطاب إلى قصة ابراهيم فقال: {فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ} حين دعاهم إلى الله تعالى: {إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} ثم اتفقوا على تحريقه {فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} أي من إذايتها {إِنَّ فِي ذلِكَ} أي في إنجائه من النار العظيمة حتى لم تحرقه بعد ما ألقى فيها {لَآياتٍ}. وقراءة العامة {جَوابَ} بنصب الباء على أنه خبر كان و{أَنْ قالُوا} في محل الرفع اسم كان. وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار: {جواب} بالرفع على أنه اسم {كانَ} و{إِنَّ} في موضع الخبر نصبا. {وَقالَ} إبراهيم {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} وقرأ حفص وحمزة: {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ}. وابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {مودة بينكم}. والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وابن وثاب والأعمش {مودة بينكم}. الباقون {مودة بينكم} فأما قراءة ابن كثير ففيها ثلاثة أوجه، ذكر الزجاج منها وجهين: أحدهما- أن المودة ارتفعت على خبر إن وتكون {ما} بمعنى الذي. والتقدير إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم. والوجه الآخر أن يكون على إضمار مبتدإ أي وهي مودة أو تلك مودة بينكم. والمعنى آلهتكم أو جماعتكم مودة بينكم. قال ابن الأنباري: {أَوْثاناً} وقف حسن لمن رفع المودة بإضمار ذلك مودة بينكم، ومن رفع المودة على أنها خبر إن لم يقف. والوجه الثالث الذي لم يذكره أن يكون {مودة} رفعا بالابتداء و{فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} خبره، فأما إضافة {مَوَدَّةَ} إلى {بَيْنِكُمْ} فإنه جعل {بَيْنِكُمْ} اسما غير ظرف، والنحويون يقولون جعله مفعولا على السعة.
وحكى سيبويه: يا سارق الليلة أهل الدار. ولا يجوز أن يضاف إليه وهو ظرف، لعلة ليس هذا موضع ذكرها. ومن رفع {مودة} ونونها فعلى معنى ما ذكر، و{بَيْنِكُمْ} بالنصب ظرفا. ومن نصب {مَوَدَّةَ} ولم ينونها جعلها مفعولة بوقوع الاتخاذ عليها وجعل {إِنَّمَا} حرفا واحدا ولم يجعلها بمعنى الذي. ويجوز نصب المودة على أنه مفعول من أجله كما تقول: جئتك ابتغاء الخير، وقصدت فلانا مودة له {بَيْنِكُمْ} بالخفض. ومن نون {مودة} ونصبها فعلى ما ذكر {بينكم} بالنصب من غير إضافة، قال ابن الأنباري: ومن قرأ {مودة بينكم} و{مودة بينكم} لم يقف على الأوثان، ووقف على الحياة الدنيا. ومعنى الآية جعلتم الأوثان تتحابون عليها وعلى عبادتها في الحياة الدنيا {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} تتبرأ الأوثان من عبادها والرؤساء من السفلة كما قال الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}. {وَمَأْواكُمُ النَّارُ} هو خطاب لعبدة الأوثان الرؤساء منهم والاتباع.
وقيل: تدخل فيه الأوثان كقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}.


{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)}
قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} لوط أول من صدق إبراهيم حين رأى النار عليه بردا وسلاما. قال ابن إسحاق آمن لوط بإبراهيم وكان ابن أخته، وآمنت به سارة وكانت بنت عمه. {وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي} قال النخعي وقتادة: الذي قال: {إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي} هو إبراهيم عليه السلام. قال قتادة: هاجر من كوثا وهى قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام، ومعه ابن أخيه لوط بن هاران بن تارخ، وامرأته سارة. قال الكلبي: هاجر من أرض حران إلى فلسطين. وهو أول من هاجر من أرض الكفر. قال مقاتل: هاجر إبراهيم وهو ابن خمس وسبعين سنة.
وقيل: الذي قال: {إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي} لوط عليه السلام. ذكر البيهقي عن قتادة قال: أول من هاجر إلى الله عز وجل بأهله عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال قتادة: سمعت النضر بن أنس يقول سمعت أبا حمزة يعني أنس بن مالك يقول: خرج عثمان بن عفان ومعه رقية بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أرض الحبشة، فأبطأ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهم، فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد رأيت ختنك ومعه امرأته. قال: «على أي حال رأيتهما» قالت: رأيته وقد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط» قال البيهقي: هذا في الهجرة الأولى، وأما الهجرة الثانية إلى الحبشة فهي فيما زعم الواقدي سنة خمس من مبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {إِلى رَبِّي} أي إلى رضا ربى وإلى حيث أمرني. {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم. وتقدم الكلام في الهجرة في النساء وغيرها. قوله تعالى: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ} أي من الله عليه بالأولاد فوهب له إسحاق ولدا ويعقوب ولد ولد. وإنما وهب له إسحاق من بعد إسماعيل ويعقوب من إسحاق. {وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ} فلم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه. ووحد الكتاب، لأنه أراد المصدر كالنبوة، والمراد التوراة والإنجيل والفرقان. فهو عبارة عن الجمع. فالتوراة أنزلت على موسى من ولد إبراهيم، والإنجيل على عيسى من ولده، والفرقان على محمد من ولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين. {وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا} يعني اجتماع أهل الملل عليه، قاله عكرمة.
وروى سفيان عن حميد ابن قيس قال: أمر سعيد بن جبير إنسانا أن يسأل عكرمة عن قوله جل ثناؤه {وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا} فقال عكرمة: أهل الملل كلها تدعيه وتقول هو منا، فقال سعيد بن جبير: صدق.
وقال قتادة: هو مثل قوله: {وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً} أي عاقبة وعملا صالحا وثناء حسنا. وذلك أن أهل كل دين يتولونه.
وقيل: {آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا} أن أكثر الأنبياء من ولده. {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} ليس {فِي الْآخِرَةِ} داخلا في الصلة وإنما هو تبيين. وقد مضى في البقرة بيانه. وكل هذا حث على الاقتداء بإبراهيم في الصبر على الدين الحق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8